وبشر الصابرين .. آية أحيتني عندما رأيت الموت من شدة الهم والحزن
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ثم أما بعد.. وبشر الصابرين .. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون .. أولئك عليهم صلاة من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون .. آية توقفت عندها كثيراً .. في أولى لحظات ألمي .. أحقاً أن الله تعالى وعد الصابرين هكذا وعد ؟؟ .. ولماذا يمنح الله الصابرين كل هذه المنازل والدرجات والوعود ؟؟ .. ما ميزة الصابرين عن غيرهم ؟؟ .. ومن ثم لماذا وصفهم بالمهتدين وصلى عليهم ؟؟ .. أسئلة كثيرة دارت في خلدي وأنا أسترجع معنى هذه الآية .. أتفكر فيها .. كل هذا في أولى لحظات ألمي .. فتفكرت في الأحوال التي يتوجب فيها الصبر فوجدت ما وجدت أن .. البلاء .. امتحانٌ من الله عز وجل لعباده .. ليعرف الصادق من الكاذب .. وليزيد ثبات المؤمن منهم .. فينهار الإنسان أمامه .. ويلعن القدر واليوم الذي نزل فيه هذا البلاء .. ويندب ويبكي وقد يفقد عقله من هول ما يجد من بلاء .. ومن ثم لا يجد أمامه سوى الانتحار ليرتاح من هذا البلاء الذي لا يرفع عنه ولا يجد سبيلاً لرده .. الهم .. نيران تستعر في الوجدان .. وتؤرق القلب وتضيع الوقت .. وتشيب الرأس وتزيد الغضب .. الهم .. عدوٌ للإنسان مرافقٌ له في حله وترحاله .. بسبب الهم يخسر الإنسان علاقاته .. بسبب الهم يدمر الإنسان نفسه .. يحاول الخروج منه بشتى الطرق .. المهدئات والمسكنات والمنشطات .. وفي النهاية يصل الأمر به إلى الانتحار .. للخروج من هذا الهم الذي نغص عليه لذة حياته .. الحزن .. تتنوع أشكاله وطرائقه .. حتى يشحب الوجه .. وتتغير الوجنات .. ويعتصر القلب ألماً .. فيلجأ الإنسان إلى تفريغ طاقة حزنه بطرق شتى .. بالحرام والحلال .. فقد يذهب لشرب المسكر كي يعيش في العالم الآخر .. أو يعتكف على الأفلام المحرمة .. أو يمارس الحرام مع الجنس الآخر الرخيص .. ظاناً منه أن شعوره باللذة والشهوة سينسيه ما به من حزن .. فيزيد عليه الحزن .. ويزداد هو في تغيره للأسوأ .. يقول الحياة ملل .. الحياة ما فيها خير .. ما تضحك لحظة إلا وتبكي ساعة .. فيزداد حزنه بفقد حبيب .. أو إخفاق في الحياة .. فيجد أن أفضل طريق له للراحة .. هو الانتحار .. تأملت في هذه الأصناف الثلاثة .. فوجدت بأن هناك صنفٌ رابعٌ مغيب عن الواقع .. قسم لم يتأثر بهذه الأصناف الثلاثة .. بل زاد من قوته وثباته وإيمانه .. إنه قسمٌ .. نزل فيه بلاءٌ .. يكاد أن يزلزل أركانه .. وقد يجعله يفقد الكثير من إيمانه إن لم يكن صادقاً .. يبتلي الله هذا المؤمن في دينه وماله ونفسه وأهله وعرضه .. كما قال عليه السلام .. ما يزال البلاء في المؤمن والمؤمنة في ماله وأهله ونفسه حتى يلقى الله وما عليه خطيئة .. هكذا هو المؤمن .. يستمر البلاء نازلاً صاعداً فيه .. وكلما ازداد إيمانه كلما ازداد بلاؤه .. فكما قال عليه السلام .. يبتلى المؤمن على قدر إيمانه .. ويستمر صابراً وهو يقول .. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها .. فيرتاح كيانه .. ويرضى فؤاده .. ويحبه ربه .. حيث أنه أول من خطر على باله في أولى لحظات الألم والحزن والهم والغم .. فيقول العبد .. يا رب كل ما يأتي منك جميل .. يا رب إني بإيماني وقرآني .. سأصبر أمام كل بلاء قد ينزل بي ..يا رب .. إني أريد أن أكون ممن قلت فيهم .. وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا .. هذا هو المؤمن .. وهذا هو الصبر .. منزلة عظيمة .. غابت عن الكثير منا .. وتذكرها القليل .. فوضعوا قوله تعالى .. والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون .. أمام أعينهم .. ونبراساً لاشتعال همتهم .. فلنكن من الصابرين على ما ينزل بدنيا الكدر والتعب من بلاء ونصب .. ننل أعلى المراتب والغرف في جنان الفردوس الأعلى .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
وبشر الصابرين .. آية أحيتني عندما رأيت الموت من شدة الهم والحزن
النمط المتتابع
